فصل: الفصل الثالث: أسطورة الملايين الستة الهولوكوست

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية **


 الفصل الثالث: أسطورة الملايين الستة الهولوكوست

تحت عنوان‏:‏ ‏"‏أسطورة الملايين الستة ‏(‏الهولوكوست‏)‏ ‏"‏، كتب جارودي‏:‏

‏"‏إن الهدف من هذه الأسطورة التبرير الأيدولوجي لإنشاء دولة إسرائيل ، وقد علق على ذلك الناشر حَمدان جعفر ـ رحمه الله ـ في كتاب ‏"‏الأساطير‏"‏ الطبعة الثانية، فقال‏:‏ ‏"‏يذكر المفكر الفرنسي روجيه جارودي في كتابه ‏"‏ماركسية القرن العشرين‏"‏ أن الأساطير نوعان‏:‏ أساطير مغلقة، وأخرى مفتوحـة، وهذه الأخـيرة وحدها هي الأساطير الحقيقية‏.‏‏.‏ فهل كـان جارودي يتنبـأ بأنه سوف يأتي يوم يتناول فيه أشـد الأساطيـر انغلاقًا، وهي المتعلقة بأسطورة الصهيونية، وأسطورة إنشاء دولة إسرائيل، وأسطورة تعرض اليهود للاضطهاد من قبل ألمانيا النازية‏؟‏ وهل كان يتنبأ أن تجني عليه الأسطورة الإسرائيلية المغلقة، وهو يتناول هـذا الموضوع الشائك في كتابه الحالي ‏"‏الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية‏؟‏ ‏"‏‏.‏

يُعرف جارودي الأسطورة بمعناها الحقيقي بأنها دعوة لكي نتجاوز حدودنا‏.‏ ويبدو أنه عندما تناول أشد الأساطير انغلاقًا بالنسبة للزعم القائل‏:‏ إن ألمانيا في عهد هتلر قد أبادت وأحرقت ستة ملايين يهودي قد فتح عليه نار الجحيم، ففي فرنسا وعاصمتها باريس مدينة النور يوجد قانون يعرف باسم قانون ‏(‏جـيشو‏)‏ صادر عام 1990، وهو يقضي بالسجن على كل من يشكـك في رقم الستـة مـلايين يهودي الذين يقـال‏:‏ إن هتلر وأعوانه قـد أبادهم‏.‏

لقد اتهمه اللوبـي اليهودي في فرنسا بأنه معاد للسامية، وتطرفوا في هذا الصدد حتى إنه لم يتمكن من طبع كتابه إلا على نفقته الخـاصة، وهو الذي كانت كبريات دور النشر الفرنسية تتسابق على نشر مؤلفاته، وجارودي في كتابه الحالي يعد التطرف المرض الفتاك للإنسانية في نهاية القرن العشرين‏.‏‏"‏

‏"‏والنقطة الشائكة في كتابه، هي تشكيكه في أن هتلر أباد بالفعل ستة ملايين يهودي، واللوبي الصهيوني يرفض التشكيك في هذا، حتى يضمن للصهيونية أن تدعو لإنشاء دولة إسرائيل، وتحل الأسطورة السياسية العرقية محل الأسطورة الدينية‏.‏ وهو يرسم مقارنة بين تضخيم اليهود لرقم إبادتهم في الحرب العالمية الثانية وبين الإبادات الفعلية لغيرهم من الأجناس، ويقول‏:‏ إذا كان الصهاينة بتضخيم الرقم يصفون هذه الإبادة بأنها أكبر عملية إبادة جماعية، فقد نسي هؤلاء أن هناك ستين مليون هندي أمريكي تعرضوا للإبادة، وأكثر من مائة مليون من السود الأفارقة تعرضوا للقتل من جزاء تجـارة الرق، كما أن هناك 17 مليون من السلاف قتلوا في الحرب العالمية الثانية، وأوضح جارودي هدفه من كتابه بأنه يريد فضح هذه الخدعة الأيديولوجية التي تم تخليقها للتمويه، وأن اللوبي الصهيوني هو الذي صنع هذه الأسطورة المزيفة، خـاصة أن معسكرات الاعتقال النازية كانت تضم بجانب اليهود البولنديين والسوفيت، وأن الوفيات التي حدثت فمن جرّاء سوء التغذية‏.‏ ‏"‏

ويقول جارودي‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه لا توجد وثائق يقينية بانه تمت إبادة ستة ملايين يهودي في معسكرات الإبادة والاعتقال أيام حكم النازيين في ألمانيا‏.‏‏)‏‏)‏

والمؤلف يسأل الصهاينة في كتابه‏:‏ ‏"‏هل تعلمت إسرائيل من المحارق النازية ما كان يجب أن تتعلمه‏؟‏ ويرد ‏"‏جارودي‏"‏ بقوله‏:‏ ‏"‏ إن إسرائيل لم تتعلم إلا شهوة الانتقام وإعادة إنتاج الآلام وحرق بيوت الأطفال والشيوخ في البلاد العربية‏"‏‏.‏

ويتسأل المؤلف‏:‏ ‏"‏من أين جـاء رقم الستة ملايين يهودي‏"‏ الذين يقال‏:‏ إنه قد تم حرقهم‏؟‏ ‏"‏ ويجيب بتساؤل آخر‏:‏ ‏"‏كيف يمكن أن نؤكد أن الذين ألقى بهم هتلر في الأفران هم يهود فقط‏؟‏ أو هم من جميع الشعوب‏؟‏ بل هل يوجد أحد يستطيع أن يؤكد أن الذين ألقى بهم هتلر في المحرقة كانوا أحياء أو موتى‏؟‏ ‏"‏

ويفضح ‏"‏جارودي‏"‏ هذه الأسطورة العنصرية، ‏"‏التي يروج لها الصهاينة، لتبرير إقامة وطن لليهود في فلسطين على حـساب الشعب الفلسطيني، وهو يستند إلى شـهادات‏.‏ أشخـاص لا يمكن الشك فيهم‏.‏ فالمخرج سبيلبرج الذي أنتج فيلم ‏"‏قائمة شيندلر‏"‏ عن المحارق ضد اليهود، أعلنت زوجته ‏"‏إميلي‏"‏ أن زوجها لم يكن بطلًا قد ساعد عددًا من اليهود للفرار من معسكرات الإبادة، وقالت‏:‏ إن زوجها كان يتاجر باليهود مقابل وعدهم بالتهريب من ألمانيا، وكان يتركهم جوعي يعانون من البرد في المرافئ وبهذا كان زوجها تاجر شنطة يستفيد من هذه التجارة الآدمية‏.‏ ‏"‏

بل لقد أبرز ‏"‏جارودي‏"‏ ‏"‏التواطؤ بين اليهود والنازية‏"‏ ويستند جارودي إلى ما كتبه ‏"‏توم سيجيف‏"‏ في كتابه ‏"‏المليون السابع‏"‏ عندما قال‏:‏ ‏"‏لم يكن إنقاذ حياة يهود أوربا على رأس أولويات طبقة زعماء الحركة الصهيونية، فالأهمية الكبرى كانت العمل على تأسيس دولة‏"‏‏.‏ ويوضح ‏"‏جارودي‏"‏ كيف التقى هذا الهدف العنصري مع الفكر العنصري النازي، الذي يقوم على أساس نقاء الدم‏"‏ وكان الهدف هو النقل الجماعي لليهود إلى فلسطين لإنشاء دولة إسرائيل‏.‏

ويوضح‏"‏ جارودي‏"‏ كيف تتم عملية التزييف للوثائق، فقد استندت محكمة ‏"‏نورمبرج‏"‏ التي أنشئت لمحـاكمة مجرمي الحرب من النازيين، على شهادة على شكل تقرير كتبته فتاة يهودية كانت من ضمن المعتقلات في المعسكرات الألمانية، وأصدرت كتابًا بعنوان‏:‏ ‏"‏يوميات آن فرانك‏"‏، وتحدثت فيه عن غرف الغاز لحرق اليهود ‏.‏ ويقول ‏"‏جارودي‏"‏‏:‏ إن مخطوطة الكتاب قد كتبت بقلم ‏"‏جاف‏"‏ وهو قلم لم يكن معروفًا قبل عام 1951، في حـين أن هذه الفتاة ‏"‏آن فرانك ‏"‏ قد ماتت عام 1945‏"‏‏.‏

ويشكك ‏"‏جارودي‏"‏ في معنى تعبيرـ ‏"‏الحل النهائي ـ اليهود في ألمانيا ‏"‏، ‏"‏فالمؤرخون المغرضون فسروا التعبير على أن المقصود به إبادة اليهود وحرقهم، فالحل النهائي قد يعني ترحيل اليـهود لا حرق اليهود‏.‏ ‏"‏ ويؤكـد ‏"‏جارودي‏"‏، أنه لم يجد أبدًا تعبير الحل النهائي للمسألة اليهودية في أي مستند رسمي وقعه هتلر، وأضاف موضحًا أن هذا التعبير هو اختراع جـديد أضيف وألصق بالنازية لتبرير النزعة الصهيونية الداعية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين‏.‏

‏"‏ هذا هو جارودي‏:‏ إنه دون ‏"‏كيشوت‏"‏ جديد في القرن العشرين يحـارب طواحين الهواء والأشباح والخـرافات والأساطير العنصرية الضيقة الأفق، لكي تتأسس دولة إسرا ئيل على حساب الحق العربي، فهذه الأسطورة تستند إلى قول قديم‏:‏ إن الله قد وعد اليهود بالأرض الموعودة، ويسخر ‏"‏جارودي‏"‏ من هذه الدعوة التي تصور الله وكـأنه قد منحـهم عقدًا موقعًا بالملكية ‏"‏‏.‏

‏"‏ومن هنا جـاءت الحملة من اللوبي الصهيوني ضد جـارودي، لآنه تجـرأ أو مد يده في عش الزنابير‏.‏ وقد تعرض للهجوم مع جارودي الأب ‏"‏بيار‏"‏، وهو من كبار رجـالات الدين المسيحـي الذي كل جريمته أنه طالب بمناقشة المؤرخين ‏"‏‏.‏

‏"‏فماذا يفعل جارودي إزاء هذه الحملة الشعواء ضده حتى في مدينة النور باريس‏؟‏ إنه لم يملك إلا الصمت، فهو يدرك أن الصهيونية تستريح للأكذوبة التي روجتها عن المحـارق النازية، حتى تروج لبضاعتها بإنشاء دولة إسرائيل، وهي دولة يقول عنها ‏"‏جارودي‏"‏‏:‏ إنها بعد أكـثر من مرور خـمسة وأربعين عامًا لا تزال دولة بلا دستور، بلا حدود ثابتة، وبلا تسمية محددة، وهي تتأرجح في تسمية نفسها ما بين دولة إسرائيل وكِيان إسرائيل ودولة المعاد‏.‏

فهل الحملة على جارودي بهذه الضراوة لأنه فضح الأساطير العنصرية الإسرائيلية فقط‏؟‏

أم يضاف إلى هذا أنه مفكر أشهر إسلامه، وجـاء فضحه للوبي العنصري دعامة للعرب‏؟‏ لقد جمع جارودي بين منظورين‏:‏ المنظور الإسلامي الذي ينادي بالحق وبالحقيقة، والمنظور العلمي الذي ينادي بصدق ويقينية الوثائق التاريخية، حتى لا نحيا وسط أساطير هي من عمل صناع الأساطير السياسية بهدف عنصري‏"‏‏.‏